ماذا حدث بعد دفن ميرنا المهندس بدقائق؟!

انت عارف يا خالد.. أنا نفسي المرض يفارقني وارجع كويسة زي الأول وأعمل كل اللي نفسي فيه من غير ما أتعب، عايزة أسافر وأخرج وأتفسح، أصل أنا بحب الدنيا أوي وبحب كل اللي حوليا، أنا عارفة إن ربنا بيحبني عشان كدا بيختبرني وأنا صابرة وهقاوم، بس أكتر حاجة بتزعلني إني ببقى لوحدي وقت طويل أوي في المستشفى".

كلمات رددتها ميرنا المهندس عندما أردت أن أطمئن عليها، وشعرت وقتها أنها بداية النهاية، لأنني اعتدت منها ألا تتحدث عن المرض بالرغم من معاناتها منه منذ سنوات.

ترددت عدة أسئلة بداخلي لم يستطع أن ينطقها لساني.. فماذا لو فارقت تلك الفراشة الجميلة حياتنا؟... من الشخص الذي سأصفه بعدها بنسيم الروح والفراشة الرقيقة؟.. ماذا ستفعل ميرنا في ظلمة القبر وحدها وهي في الأساس تخاف النوم بحجرتها في الظلام؟.. هل سنستطيع أن نهيل التراب على تلك الكائن الرقيق دون أن نبالي خوفها ووحدتها؟!.. لكن سرعان ما تراجعت عنها وشعرت وقتها أنها مجرد "تخاريف" وتفكير منحرف مني.. فميرنا ليست أول الأموات وليست آخرهم.



وعندما تلقيت خبر وفاتها حزنت مثل كل أصدقائها ومعارفها وتأثرت لفترة من الوقت لكن عادت حياتي لطبيعتها مرة أخرى.. فأصبحت الآن ناسيا ميرنا مثلما نسيت غيرها... أذهب إلى عملي كل صباح وأعود لألتقي بأصدقائي ليلا لتتعالى أصوات ضحكاتنا وذهبت ميرنا إلى ما ذهبت إليه، ومثلما ذهب كثير قبلها، وهاهي الحياة تسير، إلا أن الذي أشعرني بنقصي هو ما حدث للموسيقار خالد حماد بالمقابر يوم جنازة ميرنا.

فذهب لحضور جنازتها بمقابر طريق السويس الصحراوي، وشاءت الأقدار أن يحضر مبكرا للمكان قبل أن يحضر مشيعو جثمانها ليجد نفسه وسط سكون تام لا يعكر صفوه سوى صوت الهواء.

قرر خالد أن يذهب لزيارة قبر الفنان سامي العدل الذي يبعد خطوات عن ميرنا إلا أنه لم يستطع أن يمسك دموعه نظرا لرهبة الموقف.. فالمكان الذي يقف فيه الآن بمفرده كان يمتلئ بالمئات من محبي وأصدقاء سامي العدل يوم جنازته وكاميرات الصحف والفضائيات التي نقلت اللحظات الأخيرة له على الأرض.

هاهو اليوم أصبح سامي العدل وحيدا تحت الثرى بعد كل هذا العالم الذي كان يمتلكه، وسوف تلحق به ميرنا الذي تكرر مشهد جنازة سامي العدل بجنازتها أيضا.. سيفارقونها مثلما فارقوا سامي وفارقوا عمر الشريف وفاتن حمامة وسعيد صالح وغيرهم من النجوم، سيتركونها رغم خوفها من الظلام، سيهيلون عليها التراب رغم عشقهم لها.

عبر خالد حماد عن حزنه لفراق ميرنا وسامي العدل ولم ينس أيضا فراق والده الذي ترحم عليه وقام بزيارته معتذرا عن فترة غيابه عنه، وهذا ما أحزنني لأنني اكتشفت مؤخرا أن وصية جدي التي أوصاها لي قبل وفاته لم أنفذها.

ففي يوم نادى على وهو يبكي بفراش موته وطلب مني أن أتذكره بالرحمة وألا أنقطع عن زيارة قبره إلا أن جحودي وانشغالي بحياتي أنسياني آخر ما طلبه مني، فلكم أن تتخيلوا أنني تخليت عنه وهو في أمس الحاجة لي... فهو لم يتخل عني يوما في الوقت الذي كان من الممكن ألا أكون بحاجة له.. ماذا أقول له عندما أزور قبره، وبماذا أتحجج وهل سيقبل حجتي؟

يا له من موقف مخز، أتمنى ألا يتكرر... أوصيكم أن تزوروا موتاكم وتتذكروا ميرنا وتتذكروا جدي وإن مررتم يوما من أمام قبرها ألقوا عليها السلام وآنسوا وحشتها ولو دقائق فهي ما زالت تخاف من الظلام، واطلبوا من جدي أيضا أن يسامحني فأنا ما زلت مشغولا عنه... "رحم الله ميرنا المهندس وسامي العدل ووالد خالد حماد ورحم الله جدي".

شاهد الفيديو